قال الله عز وجل: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [الرعد:14].
ضرب الله عز وجل في هذه الآية الكريمة مثلا للمشركين، فالبارئ عزَّ شأنه يحصر في هذه الآية الكريمة دعوة الحقَّ له وحده، ولازم ذلك أن تكون دعوة غيره هي دعوة الباطل، لأن الله هو الحيُّ الذي لا يموت، المبدي المعيد، الفعَّال لما يريد، المجيب لمن دعاه، السميع لمن ناداه، وما سواه فقير حقير، لا يملك من قطمير، ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
إن الصاديَ الظمآن الذي تتفطَّر كبده عطشا، يسعى للوصول إلى الماء المحبوب إليه والمستعصي عليه بأيِّ سبيل كان، وأيِّ وسيلة متيسَّرة، وإن لم يتيسَّر له شيء فبالأماني الكاذبة والأحلام المتوهَّمة، فيبسط إلى الماء كفَّيه، ومحال للماء أن يبلغه، أو يصل هو -بحاله هذا- إلى الماء، وهكذا المشرك الذي يبسط كفَّيه إلى قبر أو صنم.
يقول أبو السعود: المراد نفي الإستجابة رأسا، إلاَّ أنَّه قد أخرج الكلام مخرج التهكُّم بهم فقيل لا يستجيبون لهم شيئا من الإستجابة كائنة في هذه الصورة التي ليس فيها شائبة الإستجابة قطعا، فهو في الحقيقة من باب التعليق بالمحال -أبو السعود: إرشاد العقل السليم 5/11.
إن الماء في حالة اللاهث الظمآن الباسط كفَّيه -مع بُعدها وإستحالتها- مفيدة لغيرها مُروية لشاربها، لكنَّ طالبها إنقطع به السبيل إليها، وبقيت له الأماني والمحاولات اليائسة، فالماء إذن أحسن حالا من الآلهة الصمَّاء البكماء، وباسط كفَّيه إلى الماء ليبلغ فاه -مع عجزه، وضعف عقله، وضياع وقته- أكبر عقلا، وأرجى أملا، من باسط كفَّيه إلى قبر أو صنم ليغيثه أو ينفعه.
المصدر: موقع دعوة الأنبياء.